د. صلاح الدين الحريري

نشأته، حياته وثقافته
نشأته وثقافته

وُلِدَ الأديب اللبناني المعاصر صلاح الدين الحريري في 3 آذار من العام 1945، في مدينة صيدا / صيدون، عاصمة لبنان الجنوبي – الحاضرة الفينيقية القديمة التي يقول عنها الشاعر سعيد عقل في كتابه لبنان إن حكى إنها المدينة التي كان ملوكها شعراء. وإنه لمن غرائب الصدف أنها عين المدينة التي، كما يزعم الرواة، كان المتنبي يتمنى لو يُقْطِعُهُ إياها سيفُ الدولة الحمداني ليقيم عليها مملكة خاصة به. مكان الولادة، إذن، كان قَدَرِيَّ الدلالة بأبعادها التاريخية والوطنية والثقافية. أما زمن الولادة فقد كان القَدَرَ الآخر: تضع الحرب العالمية الثانية أوزارها لتولد نكبة فلسطين بتشريد شعبها العربي وإقامة دولة إسرائيل، الحدث الذي هيمن على خيال ووجدان الأجيال الناشئة، وخاصة في مدن الجنوب اللبناني التي على أطرافها أقيمت مخيمات اللاجئين الفلسطينيين.
عائلة الأديب كانت على شيء من اليسر المادي مكّن الفتى الناشئ من الالتحاق بمدرسة المقاصد، إحدى أرقى المدارس المعروفة آنذاك. النفس العروبي والإسلامي المعتدل الذي كان صبغة الجو العام لهذه المؤسسة غذّى الفتى بنفحات الإنتماء العربي وبالثقافة الإسلامية على مدار عصورها التاريخية. ولقد نال القسط الأوفر من الرعاية في دراسة اللغة العربية وآدابها مما أهّله للفوز بجائزة الإنشاء العربي في مدارس لبنان الجنوبي وهو بعد في الصف الرابع التكميلي – البروفيه آنذاك. كانت الجائزة مقدمة من مؤسسة الليونز. بعد عامين على هذا الحدث، أي وهو في صف البكالوريا الأولى، أقدم على مغامرة كانت الأخطر أثراً في رسم مسار حياته وفي تحديد آفاق مستقبله. ترك المدرسة متجاهلاً نداءات أساتذته واستنكارات أهله وذويه لينغمس، طوال عام كامل، في كتابة رواية طويلة تمتد جذورها عميقة في جغرافيّة الأرض التي كان نشأ عليها وفي تجربة العائلة التي وُلِدَ فيها، وبصورة خاصة في غنى الحياة الإنسانية التي راقبها عن كثب تدور أحداثُها في مطعم عائلته الذي كانت ترتاده ألوان من الناس طالعة من كل الطبقات الإجتماعية والإنتماءات السياسية والدينية. الرواية، بعنوانها المهزلة، بقيت بلا خاتمة واحتفظ بها الأديب الناشئ في زاوية من زوايا مكتبته لتشكّل له حافزاً على متابعة دراسته للاستفادة منها في تطوير أدبه. وفي غمرة متابعته المستجدّة لدراسته الثانوية، كان لا يزال يغرف غرْف العاشقين من الأدب الروائي، والغربي منه بشكل خاص، والذي كانت دار العلم للملايين في بيروت دؤوبة في ترجمة روائعه إلى اللغة العربية: هوغو، دوستويفسكي، تولستوي، جوركي، ديكنز، همنغواي، الخ. في هذه المرحلة، كانت مجلة مدرسته وحي الكلية تنشر له القصيدة تلو الأخرى، متنبئة له بمستقبل أدبي زاهر.
وكلّ ذلك ما كان ليشفي غليله، فبعد دراسة عامين في قسم اللغة العربية في الجامعة اللبنانية، إلتحق بقسم اللغة الإنكليزية وآدابها فنال شهادة الليسانس التعليمية. في صيدا، أمضى بعد ذلك عامين درّس خلالهما الأدب الإنكليزي في إحدى ثانوياتها الخاصة، فيما هو عاكف على متابعة كتابته الإبداعية. نشرت له دار عويدات مسرحيته الشعرية الأولى بعنوان ثورة من تحت عام 1972 ثم ديوانه الشعري الأول بعنوان الله يطارد غودو عام 1974. وكان قد إلتحق بالجامعة الأميركية في بيروت فنال شهادة الماجستير، ثم إرتحل إلى الولايات المتحدة حيث أتمّ دراسته العليا فنال، عام 1980، شهادة الدكتوراه (Ph.D.) في الأدب الأميركي في القرن العشرين من جامعة إيلينويْ الجنوبية.
ومن هذا الحقل الأدبي، أطلّ عليه وليم فوكنر برواياته التي كانت تتنامى شهرتها في العالم، فوجد في تقنياته الروائية التجريبية ملامح أشياء كان يبحث عنها دون أن يدرك ماهيتها، وذلك منذ زمن بعيد. والتقنيات التي إستحوذت على اهتمامه كانت (1) تعدّدية الأصوات الراوية في العمل الروائي الواحد، الفن المستعار أصلاً من الأدب المسرحي وخاصة من مسرحيات شكسبير التي كان لفوكنر إهتمام كبير بها؛ (2) تجزئة بنيوية الرواية، وخاصة في As I Lay Dying، إلى لقطات من مشهد لا يكتمل في مخيلة القارئ إلا بضمّها إلى بعضها، فكل شخصية تعرض جزءاً أو لمحة أو زاوية من المشهد العام، وكأنما للدلالة على أن الرؤية الكلية للواقع الإنساني أصبحت أمراً مستحيلاً في زمن هيمنت عليه نظرية النسبية لأينشتاين؛ (3) تجزوء الصوت الراوي إلى أصوات وتجزوء الفصول إلى لقطات أديّا إلى تجزئة الأسلوب إلى أساليب يتناسب كلّ منها مع ثقافة الشخصية المتكلمة بها ومع عمرها وهواجسها المعلنة والغائرة في لا وعيها، مما إستوجب توزيعاً للرموز (symbols) والتشابيه (metaphors) بين الشخصيات بحيث تحدّد اللغةُ ماهيةَ الشخصية المتكلمة. ولا شك أن فوكنر قد استعار هذه التقنية من مسرحيات شكسبير. إنّ العلاقة المتشابكة بين مفهوم الراوي (narrative point of view) ومفهوم البنيوية (structure) ومفهوم الأسلوب (style)، كما أنتجها أدب فوكنر، منحت أعماله الروائية وحدة عضوية نادرة (organic unity). وهذه العلاقة بالذات هي التي اجتذبت الحريري إلى فوكنر ودفعته إلى الاستفادة منها لاحقاً في كتابة رباعيته الروائية سِفْرُ اللعنة والتوبة ما بين العام 1994 والعام 2005.
وقبيل عودته إلى لبنان كانت مجلة Brushfireالصادرة عن جامعة نيفادا قد افتتحت عددها الأول، المجلد 28، من العام 1978، بقصيدتين لـه بعنوان The Potters Song و Bob Wrench.
عام 1980، التحق بقسم اللغة الإنكليزية في الجامعة اللبنانية – الفرع الأول – في بيروت حيث مارس تدريس الأدبين الإنكليزي والأميركي. وفي أواخر الثمانينات أسّس منتدى الكتابة الخلاّقة –The Creative Writing Club– لمساعدة الموهوبين من طلاب وطالبات الجامعة اللبنانية في صقل مواهبهم وتطوير إنتاجهم الأدبي في مجالي الشعر والقصة القصيرة باللغتين العربية والإنكليزية. بعد تقاعده من التعليم الجامعي ظلّ يمارس الكتابة الإبداعية وخاصة في الشق المسرحي منها.

كتب للمؤلف

بالعربية:

رباعية روائية:

1.وعد شباط

2.على قارعة الغيب

3.صلصلة الرعد

4.الرحلة نحو الفجر

 مسرح:

1.ثورة من تحت

2.كرة الثلج والنار

3.رجل لكل الفصول

4.حرائق صيدون

5.أليسّا ملكة قرطاج

6.ليلة نيوجرسي

شعر:

1.الله يطارد غودو

2.رعشة الكلمات

3.أناشيد سليمان المنسيّة

مؤلفات بالإنكليزية:

1. The City That Lost Its Temper (poetry)

2. A Transient Bargain (drama)

3. A Nightmare (drama)

4. Event Against Eventuality (poetic drama)

5. The Night of New Jersy (drama)

6. Strategies of Writing (creative writing)

7. A Trembling of Syllables (poetry)